الفرصة الريادية: كيف يحول رائد الأعمال الفكرة إلى فرصة

يمكن لروّاد الأعمال الطّموحين، الإتيان بالأفكار في كلّ دقيقة من كلّ يوم، لكنّ هذا لا يعني بالضّرورة أنّ كلَّ فكرةٍ تكون جيّدةً، ولتحديد إذا كانت الفكرة تستحقّ التّطوير؛ علينا أوّلًا تحديد قابيّلتها للتّرجمة إلى فرصة رياديّة، فالفرصة الرّياديّة هي النّقطة الّتي تلتقي عندها حاجة المستهلك المحدّدة، وجدوى إنشاء الخدمة، أو المنتج المطلوب.

وفي مجال ريادة الأعمال؛ لا بدّ من تحقيق بعض الشّروط للانتقال من الفكرة إلى الفرصة، وهي تبدأ من اكتساب العقليّة المناسبة، حين يحسّن رائد الأعمال من إحساسه بحاجات المستهلك، ورغباته، ويجري البحوث لتحديد ما إذا كان بمقدور فكرته أن تصبح مشروعًا جديدًا ناجحًا، أم لا.

في بعض الحالات؛ قد تأتي الفرص نتيجة البحث المقصود، خاصّة عند تطوير تقنية جديدة، وتظهر في حالات أخرى عرَضًا على سبيل الصّدفة، ولكن في أغلب الأحيان، تأتي الفرصة الرّياديّة من تحديد مشكلة، والسّعي عمدًا إلى محاولة حلّها، وقد تكون المشكلة صعبة، ومعقّدة، مثل: إيصال شخص إلى المرّيخ، أو أقلّ تعقيدًا، مثل: صناعة، وسادة أكثر راحة، كما فعل رائد الأعمال مايك ليندل باختراعه My Pillow.

سنعرض هنا نظريات الفرصة، وكيفية التعرف عليها، لتكون قادرًا على التمييز بين ما إذا كانت ثمة فرصة مرتقبة أمامك أم لا، إلى جانب التطرق إلى مدى أهمية الفرص، من خلال أبرز دوافعها، التي تساهم في إيصالك إلى الريادة.

نظريات الفرصة

صرّح الاقتصادي جوزيف شومبيتر (المبيّن في الشّكل 2.5) خلال القرن العشرين بأنّ روّاد الأعمال يضيفون القيمة بـ “استغلال اختراع جديد، أو بشكل أعمّ، إمكانيّة تقنية غير مجرّبة، لإنتاج سلعة جديدة، أو واحدة قديمة إنتاجًا جديدًا، وذلك بفتح مصدر توريد جديد، أو منفذ جديد للمنتجات بالتعرّف على صناعة جديدة” أو طرائق مشابهة

 

الابتكار الرّيادي -حسب شومبيتر- هو القوة التّخريبيّة الّتي تنشئ التطوّر الاقتصادي المستدام، على أنّها خلال ذلك يمكنها -أيضًا- تدمير شركات قائمة، وتغيير أشكال صناعات، وخلخلة التّوظيف، وسمّى هذه القوّة التّدمير الإبداعيّ.

وصف شومبيتر العمليّات التّجاريّة، بما فيها تقليص عدد العمّال بأنّها مصمّمة لرفع كفاءة، وفاعليّة الشّركة، ولا شك أن نشاط الشّركات وحيويتها (ديناميكياتها) تدفع بالاقتصاد قدُمًا، وتحسّن أنماط حياتنا، لكن يمكن لهذه التّغييرات -النّاشئة أحيانا عن التّقنية- أن تختم على نهاية زمن بعض الصّناعات، أو المنتجات الأخرى، وقدّم شومبيتر مثال السكّة الحديديّة الّتي غيّرت طريقة توصيل الشّركات لمنتجاتها الزّراعيّة بسرعة، خلال البلد عبر السّكك، والثّلج (العربات الباردة)، بينما قضت في الوقت ذاته على طريقة عيش كثير من المزارعين، الّذين اعتادوا اقتياد القطعان من المزراع إلى الوجهة التّجاريّة المقصودة.

ويمكننا اليوم التّفكير في إزاحة خدمات مشاركة السيّارات مثل: أوبر، وكريم، وليفت لسائقي الأجرة، مثالًا لهذا المفهوم، فتملّك، وقيادة سيارة أجرة في نيويورك الأمريكيّة -على سبيل المثال- تتطلّب من المرء أن يشتري “ميدالية سيارة الأجرة”، والّتي تمثّل الحقّ في امتلاك، وقيادة سيّارة أجرة، ويقترض السّائقون أموالا طائلة؛ لاقتناء تلك الميداليّات الّتي تكلّف مئات آلاف الدّولارات، أمّا الآن، فقد التهمت خدمات مشاركة السيّارات، صناعة سياقة سيّارات الأجرة، لتقضي -بذلك- على قيمة الميداليات، وقدرة سائقي الأجرة على تحقيق المدخول الّذي اعتادوه قبل ظهور خدمات المشاركة هذه، وقد أدّى ذلك إلى دخول كثير من سائقي الأجرة في ضائقة ماليّة .ويجادل شومبيتر بأنّ دورة التّخريب، والخلق هذه؛ طبعية في النّظام الرّأسماليّ، وأنّ رائد الأعمال دائمًا ما يكون المحرّك الرّئيس في التطوّر الاقتصاديّ، فالهدف -بالنّسبة له- هو التقدّم، ولا يبدأ التقدّم إلَّا بالعثور على أفكار جديدة، وقد حدّد شومبيتر الطّرائق الآتية للعثور على فرص أعمال جديدة:

تطوير سوق جديدة لمنتج متوفّر.

العثور على مصدر توريد جديد، يمكّن رائد الأعمال من تصنيع منتجه بتكلفة أقلّ.

استخدام التّقنية المتوفّرة لإعادة إنتاج منتج قديم بطريقة جديدة.

استخدام التقنية المتوفّرة لإنتاج منتج جديد.

استخدام التّقنية الجديدة لإنتاج منتج جديد.

ويمكننا النّظر إلى نظرّيات الفرصة؛ إمّا على أنّها مرتبطة بالعرض، أوالطّلب، وإمّا على أنّها مقاربات للابتكارات في استخدام التّقنية؛ فالحالة الأولى فرصة طلب، بينما الحالات الباقية حالات عرض، وتوظّف الثلاث الحالات الأخيرة الابتكارات التّقنيّة، والعرض والطّلب، مصطلحات اقتصاديّة ترتبط بإنتاج السلّع.

العرض هو كميّة المنتج، أو الخدمة المعروضة، بينما الطّلب هو رغبة المستخدم، أو المستهلك في تملك المخرجات، أو المنتجات، أو الخدمات المعروضة، ويمكننا استخدام أفكار شومبيتر لتحديد فرص جديدة، ونركّز في هذا على تحديد الأماكن الّتي فيها عرض حاليّ، أو مستقبليّ، وطلب حاليّ، أو مستقبليّ، غير ملبّيين، أو غير متوافقين، أو الأماكن الّتي يمكن للابتكار التّقنيّ حلّ مشكلة فيها.

توسّعت الأبحاث المعاصرة في مفهوم الفرص الرّياديّة التّقنيّة، محدّدة مناطق مختلفة:

إنشاء تقنيّة جديدة.

استعمال تقنيّة لم تستغلّ بعد.

تحديد، وتبنّي تقنيّة لإرضاء حاجات سوق جديد.

تطبيق التقنية لخلق مشروع جديد.

وبغضّ النّظر عن أيّ طرائق شومبيتر يتّبع رواد الأعمال، فإن المحيط التّجاري يتطلب -قبل استثمار الوقت، والمال- بحثًا استقصائيًّا عميقًا؛ لتحديد مدى امكانية توافر فرصة رياديّة. ونذكّر هنا أن الفرصة الرّياديّة هي النّقطة الّتي تلتقي عندها حاجة المستهلك المحدّدة، وجدوى إنشاء الخدمة، أو المنتج المطلوب، والجدوى في هذا التّعريف؛ تتضمّن تحديد سوق مستهدف كبير بما فيه الكفاية، ومهتمّ بالمنتج، أو الخدمة، كما يوفّر أرباحًا كافية لنجاح المشروع ماليًّا.