مع تصاعد الضغوط الإقليمية والاحتياجات المحلية للطاقة والسلع الصناعية، بدأت الحكومة المصرية خلال الأيام الأخيرة في تسريع وتيرة توقيع الاتفاقيات وإطلاق آليات تمويلية جديدة تدعم مشروعات الاستكشاف، البنية التحتية، والتصنيع الأخضر. تأتي هذه الحزمة كخطوة متوازنة تهدف لدرّ دخلاً فورياً من الاستثمارات الأجنبية مع بناء قدرات إنتاجية محلية على المدى المتوسط.
أعلنت جهات حكومية ومسؤولو شركات يومية عن سلسلة تحرك متنوع: من توقيع اتفاقيات استكشاف نفط وغاز في مواقع برية وبحرية، وإطلاق آليات تمويل مخصّصة لإعداد مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وصولًا إلى اتفاقيات أولية مع شركات أجنبية لتوطين صناعات تقنية ومكوّنات الطاقة المتجددة. الهدف المشترك واضح: تعزيز العرض المحلي من الطاقة وتقليل فاتورة الواردات الصناعية، وفي الوقت نفسه جذب استثمارات تُحدث فرص عمل وتحسّن المكوّن المحلي.
في ملف الطاقة، جاءت الاتفاقيات الاستكشافية لتكرس سياسة مصر في جذب خبرات عالمية للتنقيب عن مكامن جديدة، سواء في الصحراء الغربية أو في أحواض بحرية محددة. وفي الملف الصناعي، تبرز مبادرات لتوطين صناعات حسّاسة مثل المكوّنات الإلكترونية وإنتاج بطاريات للسيارات الكهربائية، بهدف بناء سلسلة قيمة محلية وتقليل الاعتماد على استيراد أجزاء جاهزة.
من جهة أخرى، أُعلن عن آلية تمويلية مخصّصة لدعم دراسات الجدوى والخدمات الاستشارية لمشروعات الشراكة (PPP)، عبر تمويل أو منح ضمن شراكة مع مؤسسات تمويل دولية، وذلك لتقليص مخاطر المراحل الأولى للمشروعات وجذب مستثمرين أكبر مع زيادة الشفافية والمعايير الفنية.
تصريحات من صناع القرار:
مسؤولون في وزارة البترول والهيئة العامة للاستثمار وصفوا هذه الخطوات بأنها “جزء من خارطة طريق عملية” لزيادة إنتاج الطاقة، وتحسين بيئة الأعمال، ورفع مستوى التصدير. وأوضح مسؤول في وزارة المالية أن آليات الدعم تشمل حوافز ضريبية مؤقتة، تسهيلات في تخصيص الأراضي، وبرامج تمويل ميسرة للمصانع التي تتبنّى تقنيات منخفضة الانبعاث.
من جانب المستثمرين، رحّب بعض ممثلي الشركات الآسيوية والأوروبية بالإجراءات، لافتين إلى أن توفير بنية تحتية مستقرة وسياسات تشجيعية هو ما جعل السوق المصري خيارًا جذابًا في الإقليم، خصوصًا لقطاعات مثل الطاقة المتجددة والصناعات الإلكترونية.
الأهمية والتحليل:
اقتصاديًا: هذه الحزمة يمكن أن تُخفّض الاختلال بين العرض والطلب الطاقي على المدى المتوسط إذا نجحت عمليات الاستكشاف والتشغيل. كما أن توطين مكوّنات الصناعة يقلل فاتورة الاستيراد ويعزّز المدخلات المحلية للمصانع.
اجتماعيًا: خلق الوظائف في المصانع الجديدة ومشروعات البنية التحتية يُترجم إلى فرص لشباب الخريجين ويخفف الضغط على سوق العمل غير الرسمي.
تمويليًا: آلية تمويل دراسات المشاريع (PPP) تقلّل المخاطر الأولية للمستثمر وتسرّع قرارات الاستثمار، ما قد يساهم في زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
تعتمد الفائدة الحقيقية على سرعة التنفيذ ووضوح الإطار التنظيمي، ومتابعة تكلفة المدخلات (الخام والطاقة)، إضافةً إلى قابلية المشروعات للتصدير في حال تذبذب الطلب العالمي.
تُعدّ الخطوات الأخيرة جزءًا من محاولة مصرية واضحة لإعادة توازن النمو: جمع استثمارات عاجلة ضمن شروط تشجّع الصناعة المحلية، مع تسريع مشاريع بنية تحتية ذات أثر طويل الأمد. إذا سارت الأمور وفق الجداول التنفيذية ورافقها ضبط في التكاليف وإدارة فعّالة للمخاطر، فهناك احتمال واقعي أن تساهم هذه الحزمة في تعزيز النمو خلال 2026–2027 ورفع إسهام الصناعة في الناتج الوطني.
